مدن من بلادي/باقوفا قرية كلدانية قديمة جداً ، واقعة في شمال العراق
التاريخ: 15-1-1429 هـ
تأريخ باقوفا باقوفا قرية كلدانية قديمة جداً ، واقعة في شمال العراق ، تبعُد 15 ميلاً الى الشمال الشرقي من الموصل ،
واقل من ميلين عن قرية باطنايا ، تنحدر جذورها الى العصر الآشوري الأخير ، ويُعتقد بان باقوفا كانت احدى المُحافظات خلال الفترة الآشورية ألأخيرة ، فقد أُكتشفت المخطوطات المسمارية والفُخاريات المصبوغة القديمة من قبل عالم الآثار الفرنسي" فكتور بلاس" الذي قام بالتنقيب في أحد التلين المُحيطين بباقوفا في عام 1852. ان أسم باقوفا اصله آرامي ، متكون من مقطعين "بيث و قوبا" والتي تعني بيت القُضبان أو رُبما تعني ايضاً مكان الجُمجُمة حيث يُعتقد بان مجزرة ما قد حدثت هناك ، أو أن جيولوجيا الجبال في تلك المنطقة تشبه الى حد ما ألجُمجُمة. لقد مرّت باقوفا بحقبات تأريخية جيدة وسيئة ، كما كان الحال مع أغلب القُرى الكلدانية المُحيطة بنينوى ، فقد كان للهجمات الوحشية للمغول و الفرس و الأكراد تأثيرات مُدمرة على القرية وعلى السكان الذين يعيشون فيها ، ومن المُرجح ان سُكان باقوفا كانوا في ترحال دائم الى خارج وداخل القرية بسبب تلك الهجمات . هاجم المغول باقوفا في الأعوام 1436 و 1508 وادت تلك الهجمات الى قتل المئات من سكانها وتدمير ابنيتها وحرق محاصيلها ، وفي عام 1743 ، هاجمها الملك الفارسي نادر شاه وكانت النتيجة قتل المئات من سكانها ، اما الذين استطاعوا الخلاص من الموت فقد هربوا الى الجبال ، وقد ساهمت الكراهية المُباشرة للحاكم الكردي في راوندوز المُلقب "ميركور" المعروف بكراهيتة الأسطورية للمسيحيين والكلدان في تدهور الأمور حيث قام "ميركور" في عام 1833 بالهجوم على باقوفا والقُرى المُجاورة لها وادى هجومه الى مقتل المئات من سكانها بصورة وحشية ، مختطفاً النساء والأطفال وحارقاً ومُدمراً كل الأشياء التي لم يكُن باستطاعته أن يأخُذها معه. وبالرغم من كل ماعانته هذه القرية عبر السنوات الماضية فقد استطاعت التواصل والعيش والولادة من جديد ومن ثم اعطائها الثمار بمئات الأطفال الذين نموا واصبحوا كهنة واطباء ومهندسين ومحامين وسياسيين ورجال الأعمال ، الذين ساهموا في بناء مُجتمعهم بصورة ايجابية وما زالوا مستمرين بتأثيرهم الأيجابي العظيم تجاه الكنيسة الكلدانية وابناء الجالية في جميع انحاء العالم. شعب باقوفا الكلداني ان سُكان باقوفا هُم من المسيحيين الكلدان ، ينتمون الى الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية ، يتحدثون اللغة الكلدانية المُنتشرة في المنطقة والتي تُسمى باللغة الآرامية أو "السورث" و المُشتقة من كلمة سوريا أو آشور وهذه اللهجة تختلف قليلاً عن اللغة التي تحدث بها يسوع المسيح ، بالأضافة الى اللغة الآرامية ( العامية الدارجة السورث ) ، فان الغالبية من السكان يتحدث اللغة العربية وبعضهم يتحدث اللغة الكردية ايضاً. يسكن القرية هذه الأيام حوالي 600 شخص ، يعيشون في حوالي 80 بيتاً بُنيت اغلبها في القرن العشرين ، وقد بُنيت هذه البيوت بألواح طينية وايضاً من السمنت والجص والأحجار القديمة التي تُجمع من الخرائب الآشورية المُنتشرة في القرية وحولها. تقع باقوفا في وسط ارض خصبة ، ولهذا لا نتفاجئ او نندهش عندما نرى اغلب سُكانها من الفلاحين النشيطين الذين يزرعون الحنطة والشعير والبطيخ والمحاصيل الحقلية الأُخرى . انهم لا يعتمدون اعتماداً كُليا على الزراعة فقط وانما يمتهنون ويُبدعون في تربية الماشية مثل الأغنام والأبقار التي تدر لهم الحليب واللحم والمنتوجات الضرورية الأُخرى التي تجعل حياتهم دائمة الأستمرار في القرية. يعيش اغلب سُكان باقوفا هذه الأيام خارجها ، القسم الأعظم منهم يسكن في بغداد والقسم الآخر انتشر في الكُرة الأرضية الواسعة ، الكثير منهم في أوروبا وأمريكا الشمالية والبعض في أستراليا. كتاب : باقوفا حبة خردل يتناول الكتاب تاريخ بلدة باقوفا العريقة في القدم ، ويزودنا الكتاب بمعلومات قيمة ومهمة عن بلدة باقوفا الصغير بمساحتها والكبيرة بتاريخها ، يضيف هذا الكتاب مصدر علمي لاغناء مكتبتنا ، وهذا يشجع الآخرين لحذو حذو المؤلف أهم عناوين المواضيع الموقع الجغرافي والمناخ واللغة والآثار وتاريخ البلدة ، سير شخصيات مهمة خدموا كنيسة الرب ، الحياة الدينية في البلدة ، تركيبة الحياة والعادات الشعبية ، الحياة التدبيرية والموارد ، المكانة الثقافية وتطور مراحل التعليم ، مراجع السجلات للعماذ والزواج والوفيات ، يقدم الخرائط التوضيحية وإحصائيات السكان وغيرها تقديم جميل أن يتناول المرء تاريخ بلاده، وأهله، لأن التجذر أساسي في تكوين الانسان الناضج، والتأصل وحده يسمح بالامتداد في أفق واسعة دون ضياع أو استلاب. والمؤلف كاهن مثابر غيور يحب التعمق والكتابة، قطع على نفسه العهد أن ينشر شذى المعرفة في القلوب، وكانت لبلدته وقفة ارادها اطلالة على أحداث التاريخ للإغتراف من معينه الثري . وإني بكل اعتزاز أقدم إلى القراء الكرام هذا الكتاب النافع الذي أراد به الأب حبيب التحدث عن مسقط رأسه، وأهله، وتراثه، ولغته، وجذوره، فكان كتاب (باقوفا …حبة خردل ). لا نبالغ إن قلنا أن المسيح قصدها حين قال انها اصغر الحبوب، لكنها متى نمت أصبحت شجرة باسقة، وباقوفا شجرة يانعة، كفاها فخراً انها انجبت عملاقاً وهو المطران يعقوب أوجين منا. سبعة فصول تعطينا معلومات غنية، بل مستوفاة عن هذه البلدة التي تقع على بعد 30كم شمالي الموصل، وهي عريقة في القدم، إذ تمتد إلى العصر الآشوري، وكان لها أن تعاصر فترات الحكم المختلفة التي تعاقبت على البلاد. بعد الاسم والموقع واللغة والآثار في الفصل الأول، يتناول الثاني شخصيات خدموا بيت الله، وكنت اتمنى لو اضاف اليهم المؤلف شخصيات خدموا القرية. ويتناول الثالث الحياة الايمانية والدينية والاعياد والمواسم، والحياة الاجتماعية في الرابع (الطب الشعبي، والتراث، والازياء، والأكلات، والغناء، والعائلات، والهجرة وغيرها من امور)، والحياة الاقتصادية في الخامس، والثقافية في السادس، ويعطينا في السادس أرقاماً عن السكان مستفيداً من سجلات العماد، والزواج، والوفيات . والكتاب مزين بخرائط وصور، لذا فهو عمل جليل، علمي، وبلداني، لان الكثير ما يزال طي النسيان ، ان لم نقل الاهمال.ولأنها المرة الأولى التي يكتب بها مطولاً عن باقوفا، فلا عجب ان هناك جوانب أخرى تحتاج إلى مزيد من ايضاح وكشف ، وأني متأكد بان المؤلف سوف يفعل ذلك، بعد ان أجهد النفس ونقب وسأل واستفسر فأتى بهذا العمل الذي يستحق كل الثناء.